مصطفى العدوان1

يقال بأن الاشجار تموت واقفة، فما بالك اذا كانت سنديانة من هذا الثرى، مصطفى العدوان، الذي وصفه د. معن ابو نوار انه شيخ طبيعي عفوي لم يستشيخ، وزعيم شاب لم يتزعم، نستحضر ذكرى مصطفى، الصلب في ارادته، الكريم في اخلاقه، المتجذر في انتمائه، الوفي لأهله واصدقائه، المنافح عن الحق ولو كان لمنافسيه، الجريء في التعبير دون رهبة او تجاوز خطوط، قيل عنه يوم رحيله شهاب عز ونسر رحل، في الفيصلي رائد ما كذب اهله، ورياضة الوطن لا يموت من ذاكرة الوجدان، وبكرة القدم حضنها الدافىء ايام الصقيع، وللأندية قلب نابض بالمحبة.


* كان منافسا عنيدا، لكنه لا يطعن ولا يستقوي على الحق، الاندية عنده «مشكاك» هاجسه قوتها وتطويرها، وحدتها وتماسكها، يرفض ان تتشبث جهودها لمجرد ان احدهم يريد ان يجعل المنافسة صراع والفوز على رأس اولوياته! كان يقول:
– لا شيء يثري العمل الرياضي كتلاحم الاندية الرياضية زندا زندا، لكن مفهوم المنافسة افسد هذا التلاحم، حتى يصبح التنافس هامشيا وتلتقي ايدينا معا».


* لم يكن يرضيه الحال المايل، صراحته معهودة لكنها لا تجرح، كان رحمه الله يتلفت حوله فلا يخفي حزنه على ما وصلت اليه الاندية، ترى لو عاش مصطفى حتى الآن ماذا كان عساه يقول؟!
– الاندية ليست حريصة على مصالحها، وتقبل بالقرارات الجائرة على علاتها، ويضيف ما الذي حدث هل تغير الرجال ام تحطمت مجاديفهم، لماذا لا نلتقي لاحياء فكرة رابطة الاندية حتى لا تضيع في مشوارها.


* يوم ارتفعت عقيرة البعض لاحداث وقيعة بين بعض الاندية والاتحاد على قرار الهبوط من الممتاز، وكان مصطفى صاحب الطرح، رفض ان يدخل في تكسير ارادات، وحينما عالجت القضية صحفيا واشدت بقدرة الاتحاد على استنباط الحل للعقدة جاء في صوته عبر الهاتف:
– «هلا خوي، والله حديثك اراحني خاصة ان الجزيرة طرف في الموقف، هذا مؤشر لموضوعية تعامل لكي نحترم الانظمة، والامر ليس تربصا ولن نكون اسرى لاصحاب المواقف المتلونة».
– محوطا بحنان الاب الذي كان يحتضنه، بفيض غامر من ابوته وصافي محبته وعنايته، على حد تعبير الاستاذ طارق مصاروة في رثائه، طباعه الاصيلة وسجاياه النبيلة، ارتبط بالفيصلي، فلم يكن يرضى بغيره، وبكل مغريات الدنيا، كان اردنيا حتى العظم، وعربيا حتى النخاع، يوم كانت العلاقة مع مصر تمر في جو فاتر اقرب للقطيعة بعد كامب ديفيد، احس مصطفى ان السياسة تكاد تحطم مجاديف الرياضة، فأتصل بي لأحمل دعوة المسؤولية بالاتحاد المصري لحضور المنتخب الشقيق الى عمان، لأن الرياضة نغم يبدد نذير الشؤم، صارحته بتخوفي من النفقات المترتبة، فقال واثقا من قراره:


«لا تجعل مسألة النفقات عثرة فنحن على استعداد لاستضافة الاشقاء بكل امكاناتنا، حضورهم الى عمان عودة للروح، نريد ان نجعل الاردن السباق في فك الحصار ورفع العزلة، فالرياضة المصرية رفضت الخنوع والشباب لا ذنب لهم فيما حدث!
– القيادة عنده ليست مجرد منصب، كان مصطفى يسبق ابناء جيله ويفوق خبرات من سبقوه بسنوات، عرك المنافسة بروح متسامحة دون تعصب، يتقبل الخسارة بروح عالية، يضرب المثل في السلوك والتعامل في مواقف مرهقة على النفس، فقط فريقه من الخلافات فقد كان سريع التحرك لاخماد اي خلاف، يعيش معهم كقائد وأخ يعاملهم بحنان فيمنحونه الحب، ويحدب عليهم فيبادلونه التقدير، ويقسو بالنقد فيستجيبوا بثقة!
اكثر ما يميزه تقبله للخسارة في زمن يعتقد البعض انها عملة لا يعترف بها، حدث في عام 1985 ان التقى الفيصلي والوحدات في نهائي الكأس، كفة الفيصلي راجحة والفوز شبه مضمون، لكن التعادل 2/2 جعل الفريقان يحتكمان للركلات الترجيحية وفاز الوحدات لتبدأ زفة الفريق بحشود كبيرة وصلت الى مقر النادي متأخرة بسبب الزحام، ادارة الوحدات سمعت هتافات تتردد «اهلا وسهلا بالعدوان» فلم يدركوا اسباب الترحيب الا عندما دخلوا النادي ليجدوا مصطفى واعضاء ادارة الفيصلي بانتظارهم مع باقة ورد تهنئة للفوز!!
– يوم رشحه الوحدات ليكون ممثلا عنه في اتحاد الكرة قال البعض انها مزايدة، لكن الحقيقة ان طبيعة التشكيلة يومها استدعت تسمية مندوب لنفس الدرجة فكان الاجماع عليه، ومع ذلك فإنه «شيخ» حلال للمشاكل، وهو ليس في «السلطة»، كلمته مسموعة واحساسه الفطري يسمح له بسرعة طرح الحل لمنع المضاعفات، حدث مثلا ان الرمثا والوحدات نزلا ارض الملعب عام 85 بقمصان خضراء، الجمهور بدا يثور في المدرجات، مصطفى كان حاضرا هبط درج الستاد وانفرد بعبد الحليم سمارة رئيس نادي الرمثا، تحدث معه دون طرف ثان، ما لمحناه تحرك اللاعب باسم مراد باشارة من مصطفى، بعد قليل عاد معه قمصان الفيصلي واستبدل الرمثا الاخضر بالازرق وحل الازمة!
– رجل كان الزهد في الذات رمز حياته، صيغت سجاياه النبيلة بمعاني الانفة وروح التضحية والايثار التي تجسدت في شخصيته، وعاشها حياة عطاء للاخرين مزدانة بمكارم القيم والاخلاق!
– الذين اقتربوا من الاسرة يدركون عمق العلاقة والمكانة التي كان يحظى بها مصطفى عند الحاجة الفاضلة والدته وشقيقته امينة التي فجعت برحيله وادمى قلبها بغيابه عنها، توأم الروح، فهاجت قريحتها الشعرية ترثي «مصطفى» بلوعة وصورة بلاغية من التشبيهات: وكان نضرا.. ومنعشا وبهيا وحرا كالبحر، وعلى الشاطئ سرت معه، وعندما رحل غاب الشاطئ ولم اعد ارى البحر!—نشرت يوم الأربعاء 2006-09-27 في زاوية قبل الافطار بجريدة الراي ونشرها د. بسام هارون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.