4 رصاصات ..وكابوس تحول الى أحلى حلم!
شاءت الأقدار أن تدفع الخيول فارسها توفيق ابراهيم القسوس” 1916- 1995 ” لدخول مجد مظفر من بوابة رياضية صرفه ،،، كان للقسوس فيها قصب السبق عنوة ، ودون سابق انذار أو تخطيط في واحدة من قصص ألف ليلة وليلة .
كان ذلك ذات جمعة، امتزجت فيها مشاعر الفرح بالحزن وتداخلت، فجلالة الملك الحسين الراحل طيب الله ثراه أحب توديع الانجليزي بعد تنحيهم وخروجهم من بلادنا وتمكين السيطرة الاردنية الباسلة من مسك زمام الأمور بعد مرحلة ما بعد “كلوب باشا” .
ومن ذلك ان جلالته التقى في وداع الانجليز بأكبر قادتهم، ووعدهم بوداع يليق بمضيف كريم وضيف قد لا يعود ، في فقرات مهرجان رياضي كبير واحدة من أهم فقراته أن نلتقيهم في مباراة “بولو”..بعد اسبوع !!
جلالته لم يدر بخلده أن هذا المصطلح وهذه اللعبة ليست موجوده لا في الاردن وبالكاد موجوده في مصر، وكل ما كان يعرفه شيء واحد أخبره لقائد الجيش العربي حابس المجالي
– ” بنا فريق البولو يفوز على الانجليزي”
بعد ذهوله ومباغتته، أخبر المجالي جلالته بانه لايوجد لدينا فريق للبولو ؟
جلالته لا يعرف المستحيل والأعذار لذلك طلب بلهجته الواثق الآمر
– ” ما بخصني ، الجمعه الجاية بنا نهزمهم ..بالبولو”؟
ماذا تفعل لو كنت مكان المجالي ؟
كيف لك ان تختار أشخاصا ليتدربون على لعبه لا يعرفونها ، وان يصبحون في طرفة عين أقوياء لدرجة هزيمة فريق من طينة ” المملكة المتحدة التي لم تكن الشمس تغيب عن اركانها” ؟
وماذا تفعل لو كانت بينك – وبين من انتسب حبا في الخيول والفروسية للجيش الاردني مطلع الثلاثينات وعين مطلع العام 1944 كقائد لمخفر الحصن باربد – خلافات شخصية اثر انتخابات لم ينحاز فيها القسوس لرغبة المجالي، ولذا كان يبتكر العراقيل ويضعها في وجه توفيق القسوس ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الاقصاء من المنطقة التي يخدم فيها الى مناطق معزلة ، ناهيك عن الغرامات والخصومات ..الخ ؟
..ما العمل وما التدبير وهناك أمر ملكي بتشكيل فريق قوي بلعبة غير موجوده أصلا ، والمطلوب في ستة أيام فقط ان يتم دحر أكبر قوة مهيمنة على هذه اللعبة في العالم؟
..لم يحصل المجالي على وقت كبير للتفكير فرمى ثقله على جبل متمرس في الارض، صلب وقت الشدائد، فارس في النزال ،،وقد سارت الأمور كما يرام بينه وبين القسوس بعدما طلب منه ان ينسى الماضي ويضعه على رف النسيان ريثما ينتهي من المطلوب؟
والمطلوب حمل ثقيل قد تنوء الجبال عن حمله، فأنت تدرب منتخب كرة قدم في الاردن منذ أكثر من نصف قرن ولم يتاهل لكاس العالم فما بالك ان يفوز على أبطال لعبة ؟
اثر نقاش لم يطل، وافق الفارس الواثق المتربي في بيت لا يعرف اليأس أو القنوط ، ومن فوره دعى القسوس في نهاية يوم سبت وبداية يوم أحد –محمد ابو ردن العجرمي ومحمد مصطفى المومني وعوض شاكر النداف- واخبرهم بالحمل الكبير.
بعدما عرف ان اللعبة يمارسها أربعة فرسان مطلوب منهم تسجيل كرة بمواصفات خاصة كالبوص والخيزران في المرمى البعيد ؟
بدأ الاربعة يتدربون واصلين النهار باطراف الليل، غير أبهين لعراقيل يعرفون جيداً انها ستصدافهم، لكنهم يعرفون أيضا أن بامكانهم ،،تجاوزها ، لكن كيف ؟ وخصمك متمرس فيما لا يتعرف وتجها انت !
في اليوم الخامس، وكان الجمعة بالطبع، اصطف الفريقان الاردني والانجليزي واتخذا مكانهما في الملعب ، فريق عالمي بمواصفات عالمية في جهة ، وفريق تكون قبل خمسة ايام ، فلمن الغلبة ؟؟
الجواب يعرفه توفيق القسوس ولانه لا يريده أن يصبح حقيقة وواقعا ملموسا، فقد أخرج مسدسا من جيبة واخبر رفاق المهمة الصعبة ان هناك اربع طلقات ستصيب كل واحدة منها راس اللاعبين الثلاثة والرابعة، ستكون من نصيب راسه الجميلة ، ان خسروا ؟؟
لم ينبس أي من الثلاثة باية كلمة بعدما تجمد الدم في عروقهم حتى أعادو النبض الى مكانهم حين امتطى كل منهم جواده ،،وبات فوقه ملكا يطوف ارجاء مملكة لم يختبرها
وعليه ان يكون الرجل الاول والاخير فيها .
وصل النبض العروق بعدما احتبس وبلغت القلوب الحناجر لكن الصافرة النهائية جلبت الفرح للأربعة واعادة أرواحهم اليهم قبل ان تبارح موضعها.
ومن فوره قام جلالته الى خصوم اخر ضيوف اليوم ” معزيا” بكلمات لطيفة “هاردلك” ابتسم الجانب الاخر وعاد من بلاد لا يمتلكها..بذكرى حزينة تذاف لقائمة ذكرياته الخائبة .
تحقق الفوز الذي أبقى توفيق ورفاقه على سدة تمثيل المنتخب الذي ظل يقدم لهم القسوس – مع النصح والارشاد- أباريق الشاي ودلال القهوة بالملعب الملاصق لسلاح الفرسان بالزرقاء حتى جاءهم الدعم الكبير من لدن سيادة الشريف ناصر بن جميل قائد الفرقة الشرقية للجيض العربي .
وحتى اعتزاله اللعب بقي توفيق على سدة اللعب والتدريب لمنتخبنا جنبا الى جنب مع عمله كسكرتير لاتحاد اللعبة الذي تشكل برغبة ملكية …وبممارسة فوق ملاعب البولو حيث كانت تتدرب عليه أيام الاحد السفارات الشقيقه فيما خصص يومي الاربعاء والسبت للبولو والاثنين والثلاثاء للتدريبات.
وباتت اللعبة تزدهر شيئا فشيئا خصوصا بعد اصدار الشريف بن ناصر أوامر تقضي بتعلم كل الضباط ركوب الخيل ناهيك عن اقتطاع جزء من رواتبهم لهذه الغاية .
واضيفت في الستينات ومطلع السبعينات اسماء مهمة حملت راية اللعبة وابقتها خفاقة في المحافل الدولية كعبدالرزاق سعدون ومعروف البخيف البخيت ومأمون ابو نوار وشفيق جميعان ومحمد السمان وغالب وخالد عبد النبي وسليم كرادشه وبطرس حمارنة والمرحوم انمار الحمود وسهيل القسوس وتوفيق الحياري ونذير رشيد وهاني كايد المجالي ومحمد الخشمان وغيرهم.
وكان للحضور البهي لسمو الامير الحسن ونجله الامير راشد نكهة من نوع خاص على اللعبة العسكرية النخبوية .
وحقق المنتخب فوزاً كاسحاً على مصر قوامه سبعة أهداف نظير هدف يتيم، وأمام ناظر السفير المصري الذي قال “هذا منتخب سفن آب”
كناية عن الرقم 7 الذي خسر به الفريق امام منتخبنا الذي نازل وطاول منتخبات عريقة كالباكستان وايران والارجنتين والمغرب كما نازل الانجليز وتسلم الكاس من لدن الملكة اليزابيث . ويتكون كل فريق من اربعة لاعبين يحمل الرقم 1 منهم على عاتقه مهمة التسجيل والتهديف ويساعدة رقم 2 كمساعند رئيسي وقلب هجوم فيما اصحاب الرقمين 3 و4 يلعبان كمدافعين.
ودع توفيق القسوس دنيانا تاركا ورائه ابنا مبدعا في طب الاسنان ولعبة الرماية بعدما صار له اسمه ووزنه في لعبة أخرى كان للدكتور زياد القسوس فيها باعا طويلا وترك فيها ذكرى ،،ودعنا تاركا لكل محبي ومتتبعي لعبة البولو ..ذكرى من نوع خاص.